علم نفس و روحانيات

العلم بين الشك و اليقين في الوصول إلى الإيمان

العلم بين الشك و اليقين في الوصول إلى الإيمان ، نظريات علمية تتقاطع مع رؤى فلسفية تجعلنا نعيد النظر في مصداقيتها بهدف الوصول إلى الحقيقة من زاوية إيمانية في معرفة الله.

لو تسنى لنا أن نخوض في دراسة علم الأعصاب الحديث في الجامعات فإننا سوف نواجه أكثر أحجيات القرن الواحد و العشرين إهتماماً و إثارةً: أحجية العقل البشري و أحجية ما يمكن أن يحدث للعقل البشري عندما يدرك ذاته بشكل مطلق. على كل حال، نحن نعيش في عصر من المستحيل و غير المجدي أن نغض الطرف عن الحقيقة.

إنه لمن المفارقة عندما يقول نيتشه في أن هذه العين الصارمة على الحقيقة، المتعة في البحث بين الشك و اليقين هي من إرث الأديان (لأسباب معقدة لن نخوض في هذا المضمار). ثم يذهب أبعد من ذلك في مفارقة أكبر قد ذكرها في أحد كتاباته الأخيرة قبل أن يفقد عقله كلياً عندما توقّع أن العلم الحديث سوف يؤول به الحال أن يبدأ الشك في ذاته، يشك في صلاحية و نزاهة الأسس التي بني عليها، يقوم بتفكيكها و بالتالي تدمّر ذاتها.

نجد شيئاً من هذه الأفكار عندما عقد مجموعة من علماء الرياضيات و الحاسوب مؤتمراً عام 1994 حول موضوع “حدود المعرفة العلمية”. حيث أجمع الحاضرون آنذاك أن العقل البشري، في النهاية، هو ليس إلا كيان فيزيائي، نوع من الحاسوب، نتاج تاريخ جيناتي محدّد، لذلك فهو محدّد في قدراته. و لأنه محدّد و متشابك بشكل فيزيائي صلب فإنه في غالب الأمر لن يكون له المقدرة في إستيعاب الوجود البشري بشكل مطلق. حاله كحال مجموعة من الحيوانات عقدت مؤتمراً لتحاول أن تفهم ” كائن الحيوان”. يمكنهم أن يحاولوا ما استطاعوا لكنهم لن يصلوا بعيداً في المعرفة. الحيوانات يمكنها التواصل فيما يخص أفكار محدّدة معظمها بدائية و لا يستطيعوا تسجيل أي شيء. المشروع  محكوم بالفشل قبل أن يبدأ. العقل البشري أكثر تفوقاً و قدرةً من عقل الحيوان و لكنه لا يزال محدوداً. لذلك أي أمل للبشر في التوصل إلى نظرية نهائية، كاملة و شاملة حول الوجود البشري هي أيضاً محكومة بالفشل.

هذا الشك الأعظم في العلم يزداد إنتشاراً منذ ذلك الحين. خلال السنوات الماضية حتى أصحاب نظرية داروين، العامود المقدّس بين أوساط العلماء الغربيين خلال السبعين عام المنصرمة، لا زال لديهم الشكوك. العلماء –لا الدينيين- خصوصاً علماء الرياضيات و الكيمياء العضوية بدؤوا بالهجوم على النظرية الداروينية معتبرين أنها مجرّد نظرية و ليس إكتشاف علمي، نظرية تتعارض بشكل صارخ مع علم المستحاثات الحديث و تعتبر في صلب منطقها مجرّد فتات منحرف.

في عام 1990 قام الفيزيائي بيتر بيكمان من جامعة كولورادو بالبحث في دراسات أينشتاين. كان من المعجبين به و بمعادلته المشهورة في المادة و الطاقة، و لكنه أعتبر نظرية النسبية في غالبها عبثية غير قابلة للتجربة. بعد وفاة بيكمان تابع الفيزيائي هوارد هايدن من جامعة كنكتكيت ما بدأه بيكمان و كان له الكثير من المعجبين بين أجيال الفيزيائيين المشككين.

الإزدراء يزداد حول سلسلة التراكمات فيما يخص مجالات علمية عديدة منها الميكانيك الكمّي (“ليس له تطبيقات حقيقية على أرض الواقع”…”يعتمد بشكل كامل على خيالات نابعة من معادلات زهنية بحتة”)، نظرية الحقول الموحدة، و نظرية الإنفجار الكبير (النشأة الأولى). لو كان نيتشه على قيد الحياة لكان أستمتع بكل دقيقة في خضم ما يحدث حالياً.

ذكر أحد الباحثين في علوم الجيولوجيا قائلاً: “عندما بدأت بدراسة الجيولوجيا، كنا جميعاً نظن أنه في العلوم نقوم ببناء طبقة من الإكتشافات، من خلال التجارب و التحقيق الدقيق، ثم نضيف طبقة أخرى، تشبه طبقة من أحجار البناء، بشكل حذر و هكذا. بين الحين و الآخر يقوم بعض العلماء المغامرين ببناء الأحجار فوق بعضها على شكل أبراج، و هذه الأبراج ينتهي بها الحال إلى السقوط و الإنهيار، ثم يعاودوا بناء طبقات جديدة بحذر أكبر. ولكن الآن أصبحنا ندرك أن الطبقات الأولى لا تقوم أساساً على أرضية صلبة. تتوازن على فقاعات، على مفاهيم مليئة بالفراغ، و هذه الفقاعات يتم تفجيرها اليوم واحدةً تلو الأخرى.”

فجأةً يراودني رؤية حول ذلك البناء المذهل ينهار و يعود الإنسان الحديث بالخوض عائداً الى فطرته الأولى. إنه متخطباً، تائهاً، متعطشاً للهواء، يطئ قدمه على قطرات من الندى، ثم يشعر بأن شيئاً هائلاً و لطيفاً يسبح من حوله و يدفعه إلى الأعلى، شيء مثل كائن ضخم. هو لا يستطيع أن يراه. هو الله.

تعليقات