علم نفس و روحانيات

التأمّل…وسيلة في تحقيق السعادة و الراحة النفسية

ما هو التأمل بهدف الراحة النفسية السعادة معالجة الضغط النفسي و القضاء على القلق و التوتر، مفاهيم و أنواع التأمل حسب التقاليد الفلسفية و الدينية في العالم.

ما هو التأمل

كلمة التأمل ليس لها معنى واحد ثابت. اليوم تستخدم هذه الكلمة لوصف أنشطة و حالات متعددة من الوعي العقلي ولكن ممارسة التأمل تواجدت في كل عصور و ثقافات العالم بطريقة أو بأخرى.

أكثر مفهوم أساسي للتأمل هو تركيز كل إنتباهك في شيء. ما هو هذا الشيء، يعتمد على السياق الذي تتحدث فيه عن التأمل.

تاريخ التأمل

في الهندوسية مفهوم الديانا وجد 1500 سنة قبل الميلاد و يعني أن تكون على وعي بوحدة جسد، عقل، روح الإنسان مع الكون و بنفس الوقت البقاء بإنفصال كامل عن كل هذا. و منه تحوّل المفهوم إلى البوذية في مفهوم يدعى الزين، في اليوغا البراناياما هي سلسلة من تمارين التنفس تركّز على طافة البرانا أو طاقة الحياة و هي صيغة من التأمل بهدف الشفاء و الإسترخاء.

في ديانات كثيرة بما فيها المسيحية و اليهودية تعد الصلاة و قراءة النصوص الدينية صيغة من التأمل. في الإسلام ممارسة ما يسمى الذِكر الذي يرتبط بقراءة أسماء الله ال 99 كحالة من التأمل تعود إلى القرن الثامن الميلادي.

أنواع التأمل المختلفة:

  • تركيز الإنتباه على التنفس
  • التحكّم بالتنفس
  • الصلاة و التأمل بإسم من أسماء الله
  • التحكّم بالأفكار حتى تتمكّن من القضاء على الأفكار نهائياً و تبديلها بوعي عام في الزمن الآني أو بمعنى آخر الحاضر.
  • تخفيف و تهدئة أفكارك و تخيّل مكان آمن
  • التأمل التصاعدي
  • ممارسة الوعي الكامل
  • إستخدام المَسبحة في ترديد جُمل من الذكر بعدد مرات معيّن.
  • التأمل عن طريق الصوتيات
  • قراءة النصوص الدينية
  • غناء أناشيد دينية
  • ممارسة التأمل الإستبصاري
  • تركيز الإنتباه على العواطف و الشعور بالتعاطف و الإمتنان
  • التأمل الحديث المعاصر

كما رأينا، هناك مفاهيم متعددة كلها تصب في المفهوم العام للتأمل. العامل المشترك بكل أنواع التأمل أنها تهدف كلها إلى راحة العقل و الوعي و إحضار حالة السكون المفقودة في حياتنا اليومية.

إن الدماغ يعمل بشكل مجهد يومياً، منذ الإستيقاظ يبدأ الدماغ بالثرثرة و يفكّر في كل شيء تقوم به خلال اليوم. يحسب كل خطواتك. يفكّر في أحداث من الماضي و يخلق أحكام للحاضر. ثم يقوم بحساب عواقب أعمالك و كيف تتلائم مع أحلامك للمستقبل. حين تخلد للنوم، لا يزال دماغك يتحدث بسرعة كاملة. أحياناً تتمنى لو أنه يصمت حتى تتمكّن من النوم. و حتى خلال نومك يقوم الدماغ بصناعة الأحلام ليسعدك. عندما لا تحلم بشيء فإن عقلك الباطن يعمل على المشاكل التي لم تتمكّن من حلّها خلال اليوم.

من الواضح أن الدماغ يحتاج إلى الراحة. يحصل عليها فقط خلال حلقات من النوم العميق و حتى خلالها تبقى أجزاء من الدماغ فاعلة في إدارة آليات عمل الجسد الأساسية. التأمل يسمح لك بالتخفيف عن عقلك الثائر الهائج. المسألة تصبح أكثر وضوحاً عندما تضيع الأفكار الزائدة في الخلفية و يبقى فقط الوعي في الحاضر سائداً. القيام بهذا يومياً سوف يساعد في إبقاء دماغك بحالة صحية، و عقلك بحالة من الإدراك العاقل.

هناك طرق كثيرة للتأمل قد تحيّرك في الإختيار. الطريقة التي تختارها تعتمد على معتقداتك الشخصية و لكن هناك مكان للمبتدئين يساعدهم بالمحافظة على عادة التأمل حتى الوصول إلى الإدراك بأفضل الفوائد منها.

فوائد التأمل

بالرغم من إختلافات طرق التأمل، الفائدة فيها واحدة. عندما تبدأ في ممارسة التأمل سوف تحصد الفوائد التالية:

  • تتحسّن صحتك العقلية، أفكارك لن تكون عشوائية و مشاعرك لن تسبب الإضطراب بداخلك
  • القلق، التوتر و الإكتئاب سوف يبدأ بالتناقص
  • تصبح أكثر إيجابية
  • تتمكّن من التركيز بشكل أفضل
  • مساحة الإنتباه لديك سوف تزداد و تتعلّم كيف تُركّز
  • عقلك سوف يهدء و لن تشعر بأنه يعمل بسرعة كاملة بشكل مستمر.
  • سوف تتمكّن من النوم بشكل أفضل
  • صحتك الجسدية سوف تتحسّن عندما يقوم دماغك بإرسال النوع الصحيح من الإشارات للجسد
  • سوف تتمكّن من الحفاظ على نمط صحي أكثر في الحياة و الطعام مما يساعد في تحسين صحتك الجسدية
  • سوف تجد سهولة أكثر في تجنّب المشروب، التدخين و عادات أخرى سيئة.
  • إنتاجيتك و كفائتك سوف تزداد
  • قوة الذاكرة لديك سوف تتحسّن
  • سوف تصبح قادر على إتخاذ قرارات أفضل دون أن تشعر أنك مكبّلاً بالخوف
  • عندما تحقق درجات أعلى في التأمل سوف تصبح على تواصل مع ذاتك الحقيقية و تجد معنى و هدف لحياتك و يجعل منها حياة أكثر رضى و قناعة

كل هذه الفوائد و أكثر يمكنك تحقيقها عن طريق التأمل يومياً. تحتاج إلى بعض الوقت حتى تبدأ النتائج بالظهور، في البداية سوف تجد صعوبة في الإلتزام، و لكن إذا استطعت اكتساب هذه العادة فسوف تجد أنها تستحق العناء في النهاية. سوف نساعدك في هذه المقالات في معرفة ما يمكنك أن تتوقعه و كيف تكتسب هذه العادة.

إختيار الطريقة المناسبة في التأمل

من بين كل طرق التأمل يمكنك إختيار البدء في طريقة لها صدى لديك. ربما أنت تقوم بالتأمل بطريقة ما دون أن تدري. الخيار الأفضل أن تخطو كمبتدء ثم تتصاعد إلى طرق أكثر صعوبة في التأمل مع مرور الوقت. قبل أن تختار الأفضل لك دعنا نتحدث عن الطرق الأساسية في التأمل بتفاصيل أكثر قليلاً.

التحكّم بالتنفس

هذه طريقة بسيطة في التأمل تقوم خلالها بمجرّد التركيز على عملية التنفس. تركّز على كل نفس يدخل و يخرج. تقوم بإبطاء وتيرة التنفس و تأخذ أنفاس أعمق و أطول.

حسب طقوس دينية عديدة، مفهوم التحكم بالتنفس يمكّنك من التحكم أيضاً بطاقة الحياة مما ينتج عنه فوائد صحية جسدية، عقلية و روحية هائلة. حتى لو كان لديك شك في المفهوم الروحي لهذا، فإن الدراسات العلمية أثبتت أن التنفس بعمق و وتيرة ثابتة له فوائد مباشرة على وظائف العقل و الجسد. عندما تتنفس ببطئ فإنك أيضاً تبطئ سرعة دقات القلب و تشعر بالإسترخاء. في هذه الحالة، يتلاشى التوتر و يفرز الجسم عناصر كيميائية تساعد على الشفاء و التعافي. التنفس بعمق بزيد الأكسجين في الجسم بسبب الهواء الزائد. الدم المشبع بالأكسجين يسير خلال الجسم و يساعد في قتل السموم و شفاء كل أجزاء الجسم.

يمكن شفاء الكثير من عناصر الجسم بمجرّد التنفس بعمق خلال اليوم و تكمن الصعوبة عندما يحدث فقدان الوعي بذلك و العودة للتنفس بأنفاس قصيرة و سطحية معظم الوقت. جرّب هذا في أي وقت تشعر به بالتوتر، قبل إجتماع معيّن على سبيل المثال و سوف تشعر بأداء أفضل خلال ذلك.

التحكّم بالأفكار

هذا مستوى أعلى من التأمل و هو عبارة عن إبطاء ثم القضاء على كل الأفكار. هذا ما يظن معظم الناس أنه التأمل و لكن هذا مجرّد طريقة واحدة من طرق متعددة. إنها أكثر صعوبةً حيث يمكنك معرفة ذلك عن طريق التجريب بنفسك مرة أو أكثر. دماغنا يتحدّث إلينا دوماً و الأفكار تستمر في التحليق في أذهاننا بكل الأوقات. عندما تحاول القضاء على أفكارك، تبدأ بالتفكير في ما إذا أصبحت أفكارك أبطئ و هذه هي فكرة بحد ذاتها و لذلك أنت تعود إلى المربع الأول.

عندما تحاول أن تبطئ أفكارك، فإنها تبدأ بالحركة بكل الإتجاهات. بالنسبة للمبتدئين قد يبدوا هذا أمر مستحيل أن يستطيع أحد السيطرة عليه ناهيك عن إيقاف جميع الأفكار. الكثير من الناس يحاولون هذه الطريقة في التأمل، يفشلون بشكل بائس و يشعرون بالنفور و يستسلمون للأبد. هذا خطأ يجب أن لا تقع به لذلك تجنّب هذه الطريقة في التأمل في البداية.

إذا استطعت تحقيق تحكّم و لو بشكل نسبي على أفكارك، فهذه طريقة قوية في التأمل لها فوائد هائلة. وجد العلماء تغيير في وظائف الموجات الدماغية خلال هذه الطريقة في التأمل و لا زالوا يدرسون النتائج الحقيقية في هذه التغييرات.

تقول التقاليد الروحية التي تمارس هذا النوع من التأمل أنك تستطيع تحقيق حالة من البركة و السلام و بالنهاية الوصول إلى الإشراق الروحي أو ما يسمى النرفانا.

جميع الفوائد المحققة عن طريق التحكّم بالتنفس يصبح لها فوائد مضاعفة عند ممارسة التحكّم بالأفكار مع فائدة مضافة في محاولة الوصول إلى الإشراق الروحي، البصيرة  أو اليقين و هو أمر صعب المنال حيث قد يقضي معظم العابدون حياتهم في التأمل دون الوصول إليه.

إنه من الأفضل تجنّب هذه الطريقة في التأمل في البداية. بعد أن تصبح أفضل في التأمل عن طريق التحكم بالتنفس يمكنك أن تتحرك ببطئ في طريقة التحكم بالأفكار.

التأمل في العبادة

إذا كنت شخص متدين، فأنت غالباً تقوم بالصلاة. يقول الحكماء دوماً أن هناك قوة كبيرة في الصلاة و هناك سبب وجيه لذلك. الصلاة، عندما نقوم بها بشكل صحيح، هي طريقة أخرى في التأمل. هناك طرق كثيرة في الصلاة ذاتها و كلها ذات قوة. مجرّد أن تأخذ بعض الوقت للشكر يمكنه شفاء القلب عندما يكون لديك شعور حقيقي بالإمتنان.

أن تتمنى الخير لإنسان في صلاتك يمكنه أن يساعدك على الشعور بالتعاطف و الذي له فوائده الخاصة. السر يكمن في أن تشعر بالصلاة من داخلك و ليس مجرّد ترداد الكلمات. إستخدام المِسبحة لتكرار أو ذكر أسماء الله لبضع دقائق هي حالة مشابهة كثيرة لحالات التأمل. فهي تساعدك على تركيز عقلك و بما أنك تركّز في ذكر الله فلن يكون لديك أي أفكار أخرى. قراءة نصوص دينية مع تركيز كامل هي أيضاً أحد طرق التأمل في العبادة.

الفوائد من هذه الطريقة تشبه باقي الطرق و تعتمد على مدى إخلاصك في الصلاة. هذه طريقة جيدة لتبادر في التأمل إذا كان لديك إيمان في أحد الديانات المختلفة. بما أن الأمر يتعلّق بالدين هنا فسوف يكون من السهل الإلتزام بهذه العادة لأن كل شخص يمكنه أن يخصص وقتاً لله. أما إذا كنت غير متدين أو ملحد تماماً فهذه الطريقة لن تصلح لك. لكن لا تقلق لانه عندما يتعلّق الأمر بالتأمل فهناك طريقة تناسب كل شخص.

التأمل عن طريق الوعي الكامل

طريقة أخرى في التأمل تسمى الوعي الكامل. و هي بكل بساطة تعني أن تجلب إنتباهك إلى الوقت الحالي أو الحاضر. عوضاً عن التفكير في الماضي أو المستقبل، تجلب عقلك إلى الحاضر. لا تفكر بما قالته لك زوجتك أو ما يريد مديرك أن تقوم به، بل ركّز في المهمة التي بين يديك الآن. عند قيامك بذلك فأنك تتحكّم بأفكارك و تمنعها من التسارع في إتجاهات عشوائية. لا زال لديك أفكار و لكنها ترتبط فقط بالحاضر ب “الآن”.

مسموح لك حسب هذه الطريقة أن تفكر بما تشعر به الآن، كيف يشعر جسدك، ما تراقبه كل من أعضائك الحسيّة..إلخ. يمكنك التفكير في المناظر، الروائح و الأصوات. يمكنك أن تفكر في أي شيء تقوم به ولكن لا يجب أن تفكر بالماضي أو المستقبل.

أفضل طريقة في التأمل للمبتدئين

كما رأينا هناك العديد من الطرق يمكنك الإختبار منها. كمبتدأ إنه من الأفضل أن تختار التأمل عن طريق التحكّم بالتنفس كممارسة يومية حاول أن تصبح عادة. يمكنك أيضاً أن تختار طريقة الوعي الكامل خلال اليوم و التي تساعدك على المدى البعيد. التأمل عن طريق التنفس سهلة الممارسة و تساعد في بناء التركيز و بالتدريج تنتقل إلى طريقة التأمل بالتحكّم بالأفكار. في البداية المهم أن تبني عادة و ليس جودة التأمل. عندما تتعمّق أكثر في التأمل و تصبح عندك عادة قوية بعد أن ترى نتائجها بنفسك عندها تستطيع إكتشاف الطرق الأخرى التي تجد فيها جاذبية لك. سوف نقوم في مقالات أخرى بشرح تفاصيل ممارسة التأمل.

تعليقات