حقائق

شبكة الأوهام: كيف تؤثّر الإنترنت على ثقتنا في ما نعلم

تأثير الإنترنت على طريقة التفكير و ثقة و مصداقية المعلومات و كيف تسطيع الإنترنت أن تعطينا وهم المعرفة، تجعلنا نعتقد بأننا أذكى مما نحن عليه في الواقع. لحسن الحظ، قد يكون هناك دواء لغطرستنا، يقول الكاتب توم ستافورد.

الإنترنت لها سمعة في رعاية و دعم مفهوم “إعرف كل شيء”. المعلّقون على المقالات، المدونون، حتى أصدقاء الدراسة على الفيسبوك جميعهم يظهر بأنهم يتضخمون بالثقة في مدى فهمهم الكامل بما يجري في العالم و هم على شغف لمشاركة فهمهم مع كل أو أي احد قابل للإستماع. هناك أبحاث جديدة تكشف أنه بمجرّد قدرة الإتصال بالمعلومات العالمية على الإنترنت يمكن أن يحفّز لدينا وهم بثقة زائدة في مقدار الحكمة لدينا. لحسن الحظ البحث يقدّم أيضاً دلالات عن كيفية تصحيح هذه الثقة الزائدة.

تحديداّ، نحن ننظر في كيفية تأثير الإنترنت في فهمنا حول ما نعلم، موضوع يسمّيه الباحثون النفسيون “ما وراء المعرفة”. عندما تعلم بأنك تتباهى فإنك لا تتحلّى بالنزاهة، ولكنك لم ترتكب أي خطأ فعلي في تقييم قدراتك. أما إذا كنت بصدق تعتقد بأنك تعلم أكثر من واقع معرفتك فإذن أنت قد إرتكبت خطأً. البحث يقترح بأن وهم المعرفة قد يصبح شائع بشكل لا يصدّق، و بأن الخطأ الناتج عن مفهوم “ما وراء المعرفة” سوف يتجلّى في طرق جديدة في عصر الأنترنت.

في بحث جديد من جامعة ييل يعتبر نوع محدّد من التفكير يسمّى الذاكرة الفاعلة و هو فكرة أننا نعتمد على الآخرين و على مناطق أخرى من العالم – كتب، أغراض – لتذكّرنا بأشياء لنا. إذا تركت شيئاً يلزمك في عملك مرةً بجانب الباب ليلة أمس فأنت قمت بإستخدام ذاكرتك الفاعلة.

جزء من هذه الظاهرة هي الميول إلى الخلط بين ما نعلمه بالفعل في ذاكرتنا الشخصية مع ما هو متاح بسهولة لنا من المعرفة المتوافرة في العالم أو مع ما هو مجرّد مألوف لنا بدون بذل مجهود لفهم أعمق. قد نشعر بأننا نعلم كيف تعمل السيارة، تقول الأطروحة، بينما فعلياً نحن فقط نعلم كيف نجعلها تعمل. نحن نضغط على الدعاسة فتسير إلى الأمام، متجاهلين أن ندرك بأننا لا نعلم كيف تسير إلى الأمام.

البحث يهتم بكيفية تفاعل هذا الميول لدينا مع عصر الإنترنت. قد تم سؤال الناس بتقديم إجابات على أسئلة ذات حقائق ثابتة، مثل “لماذا هناك فروق زمنية في العالم؟”. نصف المشتركين طلب منهم بالبحث عن الأجوبة من الإنترنت قبل الإجابة، النصف الآخر طلب منه أن لا يبحث في الإنترنت. ثم سؤل جميع المشتركين عن مقدار الثقة لديهم في تفسير إجاباتهم على دفعة ثانية من الأسئلة (أسئلة منفصلة و لكنها أيضاً ذات حقائق ثابتة من قبيل “لماذا تكون الأيام الغائمة أكثر دفئاً؟” أو “كيف نصنع الخردل؟”).

بكل تأكيد، الأشخاص الذين إستخدموا الإنترنت في البحث عن المعلومات كانوا بشكل أساسي أكثر ثقةً حول فهمهم للدفعة الثانية من الأسئلة. دراسات متتابعة أكدت بأن هؤلاء الأشخاص فعلاً ظنوا بأن المعرفة كانت ملكاً لهم و أنها معرفة ذاتية ضمنية: و قد إستمرت الثقة لديهم عندما طلب منهم تقديم إجاباتهم مع ميزان قياس يمثّل مستويات مختلفة من الفهم مزوّدة بصور أشعة للأنشطة الدماغية  (خدعة كان المقصود منها التأكيد على أن المعلومات كانت هناك، داخل رؤوسهم). عندما قُدّم لمجوعة من الأشخاص مصادر معلومات غير الأنترنت و طُلب من مجوعة أخرى البحث في موقع معيّن على الإنترنت يحتوي على نفس المعلومات المُقدّمة للمجوعة الأولى، كان عامل الثقة أكثر إلحاحاً لدى مجوعة البحث في الأنترنت. شيئاً ما حول البحث عن معلومات في الإنترنت كان سبباً أساسياً في خلق وهم بأن المعرفة كانت في رؤوس المشتركين.

إذا كان شعور التحكّم بالمعلومات يولّد ثقة زائدة في مقدار الحكمة لدينا، فهذا يشير إلى أن الإنترنت أصبحت محرّك أساسي يقوم بتحويلنا جميعاً إلى بُؤر متلقية. لحسن الحظ دراسة أخرى، أيضاً تم نشرها هذه السنة، تشير إلى شفاء جزئي لهذه المشكلة.

 

دراسة مماثلة تمّت بجامعة تورنتو ولكن تم إستخدام طرق معاكسة للدراسة الأولى: فقد طلبوا من المشتركين تقديم إجابات أولاً، و عندما لا يعلمون الإجابة يبحثون في الإنترنت عن المعلومات الصحيحة (عند المشتركين المشروط عليهم الذين قالوا بأنهم لا يعلمون الإجابة، أصبحوا تائهين و تابعوا في محاولة الإجابة عن السؤال التالي). في هذه الدراسة، الأشخاص الذين أُتيح لهم إستخدام الإنترنت كانوا أقل رغبةً في تقديم إجابات مسبقة بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم يتاح لهم إستخدام الإنترنت. بالنسبة لهؤلاء، إمكانية إستخدام الإنترنت قد أسكتتهم و منعتهم من الإندفاع بالإدعاء بأنهم يعلمون كل شيء. بنظرة أعمق على أحكامهم، تشير النتائج بأن عملية مطابقة و تدقيق إجاباتهم مع الحقائق لم تتسبّب في إضعاف ثقتهم. هؤلاء الذين كانوا يعلمون بأنهم قادرين على اللجوء إلى الإنترنت للتأكد من الإجابات الصحيحة لم يظهروا شعور عدم الثقة في أنفسهم، لكن بالرغم من ذلك لا زالوا أقل رغبةً بالمشاركة بالمعلومات و التباهي بالمعرفة.

إذن، وضع الناس في موقف يتم فيه تدقيق إجاباتهم يجعلهم أكثر حرصاً في إدّعائاتهم الأولية. النتائج التي يمكننا الوصول إليها من هذا أن الطريقة لمحاربة مفهوم معرفة كل شيء، إذا كان لدينا الطاقة لذلك، هي أن نجعلهم يعلمون بأنه سوف يتم تدقيق إجاباتهم فيما إذا كانت صحيحة أو خاطئة. قد لا يمنعهم ذلك من البحث مطولاً في الإنترنت، ولكن يجب أن يُبطئهم، و أن يُسبّب في تلاشي الشعور بأنه مجرّد أن الإنترنت تعلم بعض المعلومات فهذا لا يعني أنهم أيضاً يعلمونها.

 

نتسائل كثيراً فيما إذا كانت الإنترنت تغيّر طريقة تفكيرنا. الجواب الذي يشير إليه هذا البحث، هو أن الإنترنت تعطي طاقة جديدة للطريقة التي طالما كنا نفكّر بها. يمكن أن تكون سبباً في الثقة الزائدة، عندما نخطئ بين حدود ما نعلم و ما هو متاح لنا عبر الإنترنت، و يمكن أيضاً أن تكون سبباً في الإلتباس، عندما نتوقّع أنه سوف يتم تدقيق إدّعائاتنا التي نحصل عليها من الإنترنت. ميولنا لتضخيم ما نعلمه، أن نستخدم معلومات متوفرة لدينا كبديل عن معرفتنا، و أن نقلق من أن يتم كشفنا مخطئين هي كلها ثوابت في طريقة تفكيرنا. مداخل الإنترنت في هذا الأمر إشتبكت مع التوازن الفكري لدينا و الذي من خلاله سوف ينشئ أشكال لا متناهية من طرق التفكير.

 

تعليقات

إدارة الموقع