خلال الأعوام القليلة الماضية، شهدنا كوارث و حروب عديدة في المنطقة، أعداد هائلة من البشر قُتلت و آخرين فقدوا منازلهم، ممتلكاتهم، مدنهم و قُراهم. التهجير مزّق حياة الكثيرين. غالباً لم يتسنى لهؤلاء التحضير المسبق قبل الإنذار بالإخلاء. تركوا منازل و ممتلكات و أوقفوا أعمالهم لتجنّب المخاطر. بعضهم عاد ليجد منزله لا زال آمن و آخرين وجدوا خراباً. أصبحوا متعبين، غاضبين، حائرين و منكوبين. بُعثرت حياتهم كالشجرة التي ضربتها الصاعقة، و قد لا يعودوا أبداً كما كانوا.
الكوارث و الحروب هي تذكرة لنا كم نحن ضعفاء هشّين ضد قوى الطبيعة القادرة على تدمير ما كان بديهياً لنا و يضطرب فينا شعور الأمن و الإستقرار بالإضافة إلى الضرر الصحي على الناجين من هذه الكوارث. التأثير العاطفي الناجم عن الكوارث يستمر شعوره لسنوات، و بالنسبة للكثيرين الذين فقدوا كل شيء، يستمر طوال حياتهم.
فهم الأحداث الكارثية
الحدث الكارثي هو “الخوض في تجربة تسبب كرب أو أذى جسدي، عاطفي، نفسي” أو “حدث، أو سلسلة أحداث، تسبب ردود فعل جرّاء ضغط نفسي بدرجة متوسطة إلى شديدة” تترافق مع مشاعر من الرعب، العجز، الأذى الحاد، أو شعور تهديد بأذى أو موت أو تهديد في سلامة و أمن و إستقرار الفرد. قد تتجلّى أيضاً في مشاعر من المرض، الإنفصال عن الأهل، موت صديق أو فرد من العائلة، عنف الحرب، إرهاب أو كارثة شاملة، طلاق، فقدان الثقة، التنقل باستمرار، الطبابة، القلق، الخوف أو الألم. قد تؤثر الكوارث بشكل مباشر على من تعرضوا لها أو على من شهدوا هذه الظروف بطريقة غير مباشرة دون التعرض لأذى شخصي.
التركيز على أساسيات التغلّب على الكوارث
عند مساعدة الناجين من الكوارث، حاجاتهم الجسدية و الأمنية يجب معالجتها أولاً. النجاة خلال الأوقات الأولى بعد الكارثة يمكن أن تكون صعبة و فوضوية. الناجون قد يحتاجون لتذكيرهم بأن يهتموا بأنفسهم و التركيز على حاجات البقاء الأساسية للجسم. التركيز على الأساسيات – السلامة الشخصية، الحاجات الصحية الأساسية، الطعام و النوم – يمكنه أن يساعد في إعادة تأهيل بعض مشاعر السيطرة، في التغلّب على الأحداث الخارجة عن سيطرة الإنسان.
بشكل أساسي يجب على الناجي من الكوارث و الحروب التقيّد بما يلي:
- عش كل يوم بيومه
- حافظ على حمية متوازنة في الطعام
- إشرب الكثير من الماء
- تجنّب الإكثار من شرب الأدوية و العقاقير للهروب من الألم
- حافظ على نسبة أساسية من النظافة الشخصية و المظهر العام
- إحصل على وقت كافي من النوم أو الراحة
- مارس أي نوع من الرياضة. حتى المشي يمكنه أن يخفّف التوتر و الضغوطات.
- إذا كان بالإمكان حاول أن تحافظ على روتين طبيعي كالنوم و الأكل بأوقات ثابتة.
- تحدّث مع الآخرين، خصوصاً هؤلاء الذين عاشوا و إختبروا نفس المحنة.
- تذكّر إستراتيجيات التغلّب الصحية التي إستخدمتها للنجاة من تحدّيات الماضي. إستخلص من هذه القوى و المهارات الكامنة من جديد.
مزيد من الإقتراحات للعيش خلال الأزمة
بعد تلبية الحاجات الأساسية، يمكن للناجون التركيز على أمور أخرى و منها:
ردود الفعل الشائعة التالية لحدوث الأزمة
الأزمات تعلّمنا أننا غير قادرين على التحكّم في أحداث حياتنا. ولكننا نستطيع بالمقابل التحكّم بكيفية التصرّف خلال الأوقات الصعبة و أن نتختار رؤيتنا للأزمة. كسب المعرفة و الفهم في ردرود الفعل الشائعة التي تحدث بعد الأزمة يمكنه أن يعيد لنا إحساس بالسيطرة على الفوضى و المجريات التي تبدوا عشوائية و الناجمة عن عواقب الأزمة.
الضغط النفسي و الكرب التالي لحدوث الأزمة هو أمر طبيعي و شائع. الكثير من الناجين قد خسروا أناس يحبوهم، منازلهم و أشيائهم المادية مما سبب بمزيد من مشاعر الأزمة و الخسائر.
أحداث الأزمة تؤثّر على سلامتنا الجسدية، العاطفية، النفسية، السلوكية، الإجتماعية، الروحية، البيئية و المالية مما يسبب إضطراب في شعور الفرد بأنه بخير. الكرب هو رد الفعل الطبيعي للخسارة. الحسرة هي العملية التي يمر بها الإنسان خلال إستعادته التوازن لصحته و حياته.
بعض ردود الفعل الطبيعية التي يمكن أن تحدث هي: الخوف، القلق، الجمود العاطفي، الحزن، الإكتئاب، الغضب، الهيجان. ردود فعل أخرى يمكن أن تكون:
- رؤية سلبية للعالم
- تقلّب المزاج
- فقدان الصبر و الضجر
- الرعب من الأصوات المرتفعة
- تغيير في الشهية للطعام – الأكل الزائد أو العكس
- مشاكل في التركيز
- مشاكل في الدراسة
- الرغبة في العزلة أكثر من الطبيعي، أو عدم الرغبة بالوحدة طوال الوقت
- إعادة العيش في الأزمة خلال أحلام و كوابيس و ذكريات
- إستخدام مفرط للأدوية للتغلّب على مشاعر الأزمة مما يعوق الشفاء
- كثرة البكاء في أوقات عشوائية، سرعة البكاء أو الرغبة في البكاء طوال الوقت
- تجنّب التعرّض لمواقف يمكنها أن تذكّر بالأزمة – أماكن أو أوقات معينة
- صعوبة في النوم، كوابيس
- فقدان المتعة في أنشطة معتادة سابقاً
- التخطيط للمستقبل يصبح غير مهم
ردود فعل شائعة من الناحية الصحية تشمل: الإقياء، الإسهال، آلام المعدة و الرأس، الدوار، تسارع دقات القلب،خفة في الرأس، التحسّس، طفح جلدي، العض على الأسنان، زيادة العوارض المشابهة للبرد و الرشح.
فهم ردود الفعل الطبيعية الناجمة عن حدوث أزمات و حروب يمكن أن يساعد الناجين في إدراك أنه من المتوقع جداً حدوث إنفعالات معينة، إنها إنفعالات طبيعية سببتها خسائر كبيرة و غير طبيعية، و أنهم ليسوا في طريقهم للجنون. الناجون عليهم أن يهتموا بأنفسهم و أن يفهموا أن هذه الإنفعالات و المشاعر الطبيعية هي طريقة الجسد في التغلّب على عوارض التغييرات الحياتية الطارئة. هذه المعرفة تخفف من وطأة و غمرة الإنفعالات الجسدية و العاطفية.
الوقت المناسب لطلب المساعدة
معظم الذين تعرضوا بشكل مباشر للأزمات يتأثرون بطريقة ما. كثيرون منهم يحتاجون إلى نوع من المساعدة، ربما مالية، بيئية، جسدية، عاطفية أو نفسية. كيف يتفاعل الناجي مع الأزمات يعتمد على فهمه للأحداث، على تجاربه السابقة في التعاطي مع أزمات سابقة، على قدراته على التغلّب و على مستوى المساعدة المتاح له.
بشكل عام، كثافة الإنفعالات الصحية و النفسية تبدأ بالإنخفاض مع مرور الوقت حتى تختفي نهائياً لتستمر الحياة و يبدأ الناجي في توجيه تركيزه على أمور أخرى. سرعة شفاء الأفراد من الأزمة يختلف من شخص لآخر حسب تفاوت قدرات البشر و حجم الخسائر، لكن تقول الدراسات أن نسبة 20 إلى 30 بالمئة من الناس يحتاجون إلى مساعدة نفسية و عاطفية لفترات طويلة. أي شخص يظهر عوارض متزايدة عن الطبيعي يحتاج إلى مساعدة و من هذه العوارض: حالات مزمنة و متزايدة من: الضجر و القلق، الإكتئاب، العجز عن القيام بالمهام اليومية الوظيفية، التفكير في الإنتحار، الكرب المزمن، الندم و الحسرة، إستخدام مفرط للأدوية، الغضب.
مساعدة الناجون
تتكوّن المساعدة الصحية النفسية لمن تعرّضوا للأزمات على البنود التالية:
- قم بتحديد الحاجات الملحة لديهم، المتأزمون غالباً منغمسون بهواجس أساسية مثلاً (هل أهلي و أصدقائي بخير؟)
- حافظ على روتين حياتهم المعتاد
- ساعدهم في إيجاد طرق للراحة النفسية
- قم بمواجهة الموقف معهم، الناس و الأماكن التي تذكرهم بالأزمة – و لا تتهرب منها.
- اعطي الوقت لحل المشاكل يوماً بيوم حتى لا تتراكم و تضيف مزيداً من القلق و التوتر لديهم.
- حدّد مصادر الدعم، كالعائلة و الأصدقاء. شجّعهم في التحدّث عن تجاربهم و مشاعرهم مع الأصدقاء و الأهل و المجتمع.
الفهم المنطقي للخسارة و لملمة الشتات
محاولة إيجاد تفسير أو معنى للكوارث و الأزمات هو أمر صعب فهي خارج سيطرتنا لا يمكن تفسيره و يجعلنا نشعر أن الحياة ليست دائماً عادلة و أنه أحياناً أمور سيئة تحدث لأناس جيدين. يجعلنا نسأل بشكل قوي “لماذا؟، لماذا أنا؟، لماذا حدث هذا؟”. بينما من المستحيل إيجاد إجابة و لكن أيضاً من غير المفيد الوقوع في أضرار هذه الأسئلة، خصوصاً عندما نرغب في السير في عملية الشفاء و إعادة البناء. ربما السؤال الأكثر إستحقاقاً هو “كيف نلملم شتاتنا و نمضي في عيش حياة بأكبر قدر من المعنى و الهدف؟”
لملمة شتات حياتنا المبعثرة و إيجاد طرق للأستمرار في الحياة هو تحدي كبير. الكثير من الناس يجدون نواة داخلية للقوة، آخرين يعتمدون على إيمانهم و عقيدتهم، و هناك لا يزال آخرون يتعايشون عن طريق فهم منطقي أو إيجاد معاني ذاتية من الأحداث. ينظرون إلى الأزمات كفرصة لولادة جديدة، نقطة تحوّل أو صرخة إيقاذ في حياتهم.
إدراك أن الحياة مستمرة
يقول أطباء النفس أن الكرب ينتهي عادةً عندما يدرك الناس بأنهم قادرين على العيش من جديد، أنهم قادرين توجيه طاقاتهم على حياتهم بمفهومها الأشمل. مع مرور الزمن يصل الناس إلى التغلّب على المصاعب و التحدّيات، هضم الخسارة، و البدء في إعادة بناء حياة جديدة – حياة تتأقلم دوماً من الأحداث. إندماج أحداث الأزمة في حياتنا يتطلّب التخلّي عن أحلام قديمة و عدم تضييع العمر في التباكي على ما كان من الممكن أن يحدث. الناجون يتعلّمون الرضى عن ما هي حياتهم عليه الآن.
الدمار الذي سببته الحرب خلال فترات قصيرة يحتاج إلى سنين لإعادة البناء, و لكن في وسط هذا الدمار هناك مؤشرات للحياة، التغيير صعب ولكنه أساسي للبقاء. بشكل تدريجي يبدأ الناس بالعيش من جديد و مع مرور الوقت يعيشون حياة جديدة مؤمنين بأن الحياة تستحق العيش و أنه أهم من كل شيء، و بالرغم من المأساة..الحياة مستمرة.
21 أمراً يمكنك القيام بهم لمساعدتك خلال الأزمات
- تصرّف بسرعة لضمان أمن و سلامتك و من في عهدتك. إذا كان ممكناً، إبتعد عن أماكن الأحداث لتجنّب التعرض لمزيد من الأزمات.
- حدّد حاجات الطبية الملحّة (أمثلة: إذا كنت تواجه صعوبة في التنفس، ألم في الصدر أو خفقان، إطلب المساعدة الطبية فوراً)
- قم بإيجاد مكان آمن يوفّر المأوى، الماء، الطعام و النظافة.
- راقب كيف تؤثّر الأحداث عليك (على مشاعرك، أفكارك، أفعالك؛ ردود فعلك الجسدية و الروحية)
- اعلم أن إنفعالاتك هي أمر طبيعي لأحداث غير طبيعية. أنك لن تفقد السيطرة أو تصاب بالجنون.
- تحدّث مع الأطباء و أبقهم على دراية بما يحدث لك.
- حافظ على تصرفاتك و تماسكك أمام الأطفال لأنهم يستمدون التأثير من الكبار حولهم.
- حاول الحصول على المعلومات. معرفة الحقائق حول ما يجري يساعدك في التصرّف بشكل أفضل.
- حاول أن تكون بجانب الأهل و الأحباء قدر الإمكان مع إدراك أن الأزمة تؤثّر عليهم أيضاً.
- تحدّث عن قصتك. و دع نفسك تشعر بحرية. ليس من الغريب بأن لا تكون بخير خلال الأزمة.
- قد يصبح لديك رغبة في الإنسحاب و العزلة، مما يسبب ضغط على الآخرين حولك. قاوم الرغبة في الإنغلاق و الإنطواء في عالمك الخاص.
- ضغوطات الأزمة قد تؤثر على قدرتك في التفكير بوضوح. إذا كنت تجد صعوبةً في التركيز عندما يتحدًث إليك شخص، ركّز على كلمات محدّدة يقولها. إبذل الجهد في الإستماع. قم بإبطاء المحادثة و كرّر ما سمعته.
- لا تتّخذ قرارات هامة عندما تشعر بالضغوطات. اسمح لأفراد عائلتك أو الأصدقاء الموثوقين بمساعدتك في صناعة القرارات الضرورية.
- إذا كانت الضغوط تسبب ردود فعل جسدية أو صحية، استخدم تقنيات التنفّس للوصول إلى التوازن. خذ نفس عميق و بطيء بالإستنشاق من الأنف و الإخراج ببطئ من الفم. خلال الزفير، تأمل و ركّز على كلمات توحي بالراحة و ترك المشكلة. كرّر هذه العملية.
- إعرف أن التفكير المتكرر و صعوبات النوم هي إنفعالات طبيعية. لا تحارب صعوبات النوم. حاول ما يلي: توقّف عن تناول الكافيين و المنبهات إبتداءً من 4 ساعات قبل النوم، أجعل مكان النوم على أفضل حال ممكن، خذ بعض الدقائق قبل النوم لكتابة أفكارك مما يساعدك في إفراغ عقلك من الأفكار.
- إسمح لنفسك بالراحة و الإسترخاء، مارس أنشطة آمنة. إقرأ، إستمع للموسيقى، خذ حماماً ساخناً و هكذا.
- التمارين الفيزيائية قد تساعدك في تبديد الطاقة السلبية للضغوطات الناجمة عن الأزمة. مارس المشي، قيادة الدراجة، أو السباحة.
- إكتب يومياتك. الكتابة عن تجربتك قد يساعدك في إظهار نفسك من خلال أفكارك و مشاعرك المؤلمة و بالتالي تمكنك التعايش مع أزمتك.
- إذا كنت تجد أن أزمتك شديدة القوة، إسمح لنفسك باللجوء إلى المساعدة من قبل المتخصصين في تقديم الدعم النفسي و الروحاني و دعمك بالثقافة اللازمة لحالتك.
- حاول أن تحافظ على برنامج حياتك اليومي. أحداث الأزمة سوف تسبب خلل في شعورنا الطبيعي. نحن مخلوقات تحب أن تتبع التعوّد. عندما نحافظ على روتين حياتنا فأننا سوف نشعر بالسيطرة في وقت تقودنا فيه الظروف أن نشعر بفقدان السيطرة.
- الأزمات تحتوي على فرص. إزرع الشعور في هدف و مهمّة في الحياة. استجلب الطاقة من خلال تجربتك و استخدمها في دفع نفسك لتحديد أهداف واقعية، إصنع القرارات و قم بالتنفيذ.